الرد على من يقول بالترادف بين الإسلام والإيمان بالنصوص الدالة على التغاير
قال الشارح رحمه الله: ويقال له في مقابلة تشنيعه -أي: المرجئ- علينا: أنت تقول: كذا. أي: كأنه يقول: إن لازم بطلان قولكم أوضح من لازم بطلان قولنا الذي تشنعون به، والدليل: أننا نقول له: أنت تقول: إن المسلم هو المؤمن؟ فسيقول: نعم؛ هما واحد، فيقال له: إن الله تعالى يقول: (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ))[الأحزاب:35] الآية من سورة الأحزاب، فالله تبارك وتعالى قد غاير بينهما، وقد مر معنا أن المرجئة يقولون: إن العمل ليس داخلاً في الإيمان؛ بدليل المغايرة بينهما، كما في قوله تعالى: (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))[العصر:1-3] فهذا دليل على أن العمل الصالح غير الإيمان؛ لأنه عطفه عليه، والمعطوف غير المعطوف عليه. فنجيب على ذلك ونقول: أنتم هنا أولى أن تلتزموا بهذا، ولا جواب لكم عليه كأجوبتنا السابقة؛ لأنه هنا يعدد صفات مختلفة، فالمسلمون صفتهم هي غير صفة المؤمنين، وكذلك الخاشعون والصابرون والصادقون، وكلها شعب من شعب الدين لكنها تتفاوت وتختلف، فجعلهما غيرين، أي: جعل هذا غير هذا، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي اتفق الشيخان على روايته، وذكرنا أن الإمام أحمد رواه أيضاً وقال: [ هو أحب إليَّ من حديث جبريل ] ؛ لأنه في هذا المقام أوضح في الدلالة من حديث جبريل عليه السلام، أي: في الدلالة على التغاير بين الإسلام والإيمان.فلما قال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: ( يا رسول الله! مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً! قال صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً ) أي: لم تعطيه الدرجة العليا؟ لم لا تقول: مسلماً؟ فربما كان من أهل الدرجة الأقل، فغاير النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا وهذا، وقالها ثلاثاً.يقول الشيخ: (فأثبت له اسم الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان) أي: أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الدرجة الدنيا وهي اسم الإسلام، ولم يثبت له العليا وهي: الإيمان، فهو صلى الله عليه وسلم لم يجعله منافقاً، ولم يجعله أيضاً مؤمناً، وإنما أشار إلى أنه مسلم، وأشار إلى أنه لا يزكى، فإن كان في الواقع كذلك؛ فلا يجوز أن يزاد عليه، أي: إن كان في الواقع مسلماً وليس مؤمناً؛ فهكذا ينبغي أن يقف الإنسان عند العدل والقسط ولا يزيد عليه، وإن كان الرجل مؤمناً فتنبيه إلى من يزكي إلى ألا يزكي؛ لأنه لا علم له بذلك، فهذا أمر غيبي؛ فينبغي عليه الاحتياط، فلا يزكي في الدرجة العليا، ولكن يحتاط. فهذه فائدة وهي: الاحتياط في التزكية، فإذا كان الإنسان مزكياً لنفسه فقد نهى الله تبارك وتعالى عن ذلك: (( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ))[النجم:32] وقال تبارك وتعالى: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ))[النساء:49]، وإن كان الإنسان يزكي غيره فينبغي له أن يحتاط ويقيد ويقول: أحسبه والله حسيبه، أو يقول ولا أزكي على الله أحداً، فيحتاط في ذلك؛ لأن هذا أمر باطن لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى على حقيقته، وإنما نحكم بالظاهر، ولولا الحاجة إلى الشهادة أو التزكية في الظاهر لمصلحة شرعية؛ لما تكلم الناس في هذا، لكن لا يُتكلم باعتبار حقيقة الباطن فهذه لا يعلمها إلا الله، وإنما يكون الكلام بما يظهر في موضعه لمصلحة شرعية تقتضي التزكية أو الشهادة.